ذِكْرياتُ ( إعْصارِ جونو ) الَّذي طَافَ بِنا عام 2007 م
المشهد الأول :
عجوزٌ تقبعُ تحتَ مظلَّةٍ مُهْترِئةٍ ، تحكي أسْطرُ جبينها المتجعِّدِ ألفَ مأساةٍ ، وتُخفي عينُها ألفَ دَمعةٍ ، قد غشيها الوقارُ ، وفتَّتَ كَبِدَها الدَّمارُ ، تئِنُّ تحتَ وَطْأةِ الألمِ ، وتَرمي بَصَرَها على أشلاءِ بيتِها ، ثُمَّ تَضْرِبُ عنه صفحًا ؛ إذِ المصيبةُ أعظمُ مِن أنْ تتجلَّدَ عَليها امْرأةٌ .
المشهد الثاني :
نخيلٌ باسقاتٌ شامخاتٌ ، أرْدَتْها تياراتُ المياهِ صريعةً ، فمنها الرَّاكعُ ومنها السَّاجدُ ، ومنها المُضْطَجِعُ اضطجاعًا لا سبيلَ إلى القيامِ مِنْهُ ، وقد فَارَقَتِ الشُّموخَ إلى الحِضِيضِ مِنْ غيرِ رَجعةٍ ، وقد التفَّ حَوْلَ جيدِها الرُطَبُ الجَنِيُّ ، الذي أحَالتهُ المأساةُ إلى ذُبُولٍ .
المشهد الثالث :
" كانتْ بيوتٌ قائمةً هُنا " هكذا سَمِعْتُهُ يقول ، ولكنْ عِندما يَمَّمْتُ بِطَرْفِي إلى حيثُ أشارَ لم أرَ حتى ما يدلُّ على وجودِ بقايا عِمرانٍ سابقٍ . نعم فقد قَوَّضَتها الأمواجُ ، والتهَمها البحرُ في عُمْقِهِ .
المشهد الرابع :
بالأمسِ كانت منازلُ تحتضِنُ النَّاسَ واليومَ أضْحَتْ رُفاتًا ، وكأنَّها قد هُدِمتْ بالمعاول ، أو قُصِفَتْ بالمدافعَ ، قد رَمَتْ عَمائِمَها ، وكَشَفَتْ عن سِيقانِها ، وَكأنَّها أرَادتْ أنْ تُشَارِكَ بَلقيسَ في خَوضِ الصَّرْحِ المُمَرَّدِ .